ملخص أحكام العيد وآدابه – الملف العلمي للبحوث المنبرية لموقع المنبر ومواقع أخرى
أولاً أحكام العيدين:
1- النهي عن صومهما:
فيحرم صوم يومي العيدين لحديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين: يوم الفطر، ويوم النحر([1]).
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم: "وقد أجمع العلماء على تحريم صوم هذين اليومين بكل حال؛ سواء صامهما عن نذر أو تطوع أو كفارة أو غير ذلك، ولو نذر صومهما متعمداً لعينهما، قال الشافعي والجمهور: لا ينعقد نذره ولا يلزمه قضاؤهما([2]).
وقيل: إن الحكمة في النهي عن صوم العيدين أن فيه إعراضاً عن ضيافة الله تعالى لعباده([3]).
2- صلاة العيد وما يتعلق بها من أحكام وآداب:
حكمها:
سنة مؤكدة عند الجمهور، واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر الرجال والنساء أن يخرجوا لها حتى الحيّض منهن؛ لقول أم عطية رضي الله عنها: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق والحيّض، وذوات الخدور؛ فأما الحيض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير، ودعوة المسلمين) ([4]).
وذهب بعض أهل إلى: القول بوجوبها، وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد واختاره ابن تيمية وابن القيم؛ بل ذهب ابن تيمية إلى كونها آكد من الجمعة، لحديث أم عطية السابق، وفيه الأمر بإخراج العواتق وذوات الخدور والحيض، ولم يأمر بذلك في الجمعة، وهو محمول على الوجوب إلا لقرينة ولا قرينة هنا.
وأجاب ابن حجر على ذلك بقوله: وفيه نظر؛ لأن من جملة من أمر بذلك من ليس بمكلف؛ فظهر أن القصد منه إظهار شعار الإسلام بالمبالغة في الاجتماع، ولتعم الجميع البركة([5]).
كما استدل القائلون بالوجوب بكونها مسقطة للجمعة الواجبة إذا اجتمعتا في يوم واحد، وما ليس بواجب لاسقط واجباً.
المكان الذي تصلى فيه([6]):
أ- في مكة المكرمة:
الأفضل الصلاة في المسجد الحرام؛ فإن الأئمة لم يزالوا يصلون العيد بمكة بالمسجد الحرام، قال النووي في المجموع: "... فإن كان بمكة فالمسجد الحرام أفضل بلا خلاف([7]). أي من الخروج إلى المصلى.
ب- في غير مكة:
السنة أن يصلى العيد في المصلى خارج البلد إلا لعذر من مطر أو غيره، هكذا جرى عمل المسلمين في سائر الأمصار والعصور وأما حديث أبي هريرة عند أبي داود وغيره: (أن الناس أصابهم مطر في يوم عيد فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم العيد في المسجد)([8])، ففي إٍسناده مجهول.
وحكى عن الشافعي: إن كان مسجد البلد واسعاً، فالصلاة فيه أولى لشرف البقعة.
وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى في المصلى مع شرف مسجده عليه الصلاة والسلام.
وجعل العلة الضيق والسعة مجرد تخمين لا ينتهض للاعتذار عن التأسي به صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى المصلى.
ج- ويستحب للإمام أن يخلف من يصلى بضعفة الناس - الذين يعجزون من الخروج إلى المصلى - في المسجد، كما فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
حكم خروج الصبيان والنساء:
يشرع خروج النساء في العيدين من غير فرق بين البكر والثيب والشابة والعجوز والحائض وغيرها، ما لم تكن معتدة، أو كان في خروجها فتنة، أو كان لها عذر؛ لحديث أم عطية (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق والحيض، وذوات الخدور؛ فأما الحيض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين. قلت: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: ((لتلبسها أختها من جلبابها))([9]) وقوله: ((لتلبسها أختها من جلبابها))؟ قال النووي: "الصحيح أن معناه لتلبسها جلباباً لا تحتاج إليه".
والقول بكراهة الخروج على الإطلاق رد للأحاديث الصحيحة بالآراء الفاسدة وتخصيص الشابة يأباه صريح الحديث المتفق عليه وغيره، كما قال الشوكاني في النيل([10]).
وإنما يستحب لهن الخروج إذا التزمن بآدابه؛ فيخرجن غير متطيبات، ولا يلبسن ثوب شهرة ولا زينة لقوله صلى الله عليه وسلم: ((وليخرجن تفلات)) ([11])، أي غير متطيبات، ولا يخالطن الرجال بل يكن ناحية منهم. قال ابن حجر: "وفيه امتناع خروج المرأة بغير جلباب"([12]).
فإذا كانت المرأة حائضاً اعتزلت المصلى، قال النووي: "والجمهور أن هذا المنع هو منع تنزيه لا تحريم، وسببه الصيانة والاحتراز من مقارنة النساء للرجال من غير حاجة ولا صلاة"([13]).
وقال ابن المنير: الحكمة في اعتزالهن أن في وقوفهن وهن لا يصلين مع المصليات إظهار استهانة بالحال. فاستحب لهن اجتناب ذلك([14]). ولا بأس عليهن – أي الحيّض – إذا ذكرن الله تعالى، وكبرن، لقول أم عطية عند مسلم: (فليكن خلف الناس يكبرنّ مع الناس) وإنما يحرم عليها قراءة القرآن، قاله النووي([15]).
وأما خروج الصبيان إلى المصلى؛ فقد بوب البخاري رحمه الله له في الصحيح بقوله: (باب خروج الصبيان إلى المصلى)؛ قال ابن حجر: أي في الأعياد، وإن لم يصلوا. وأخرج البخاري عن ابن عباس لما سُئل: أشهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، ولولا مكاني من الصفر ما شهدته.
قال ابن بطال: خروج الصبيان للمصلى إنما هو إذا كان الصبي ممن يضبط نفسه عن اللعب، ويعقل الصلاة – ويتحفظ مما يفسدها – ألا ترى ضبط ابن عباس للقصة؟ اهـ.
قال ابن حجر: وفيه نظر؛ لأن مشروعية إخراج الصبيان إلى المصلى إنما هو للتبرك، وإظهار شعار الإسلام بكثرة من يحضر منهم، ولذلك شرع للحيض ... فهو شامل لمن تقع منهم الصلاة أولا – وعلى هذا إنما يُحتاج أن يكون مع الصبيان من يضبطهم عما ذكر من اللعب ونحو سواء صلوا أم لا. وأما ضبط ابن عباس القصة فلعله لفرط ذكائه والله أعلم([16]).
وقت الخروج إلى الصلاة:
يستحب التبكير إلى العيد بعد صلاة الصبح إلا الإمام؛ فإنه يتأخر إلى وقت الصلاة لفعله صلى الله عليه وسلم ذلك، فإذا جاء إلى المصلى وقعد في مكان مستتر عن الناس فلا بأس، قاله صاحب المغنى.
وقال مالك: مضت السنة أن يخرج الإمام من منزله قدر ما يبلغ مصلاه، وقد حلّت الصلاة، فأما غيره فيستحب له التبكير، والدنو من الإمام.
الاغتسال للعيدين ووقته والتزين لهما:
يستحب أن يغتسل للعيد، وكان ابن عمر يغتسل يوم الفطر، ولم يثبت فيه حديث مرفوع ينتهض للاحتجاج به، وأحسن ما يستدل به على استحباب الغسل لهما ما رواه البيهقي بسند صحيح عن علي رضي الله عنه لما سئل عن الغسل قال: يوم الجمعة، ويوم عرفة، يوم النحر، ويوم الفطر([17]).
ولأنه يوم يجتمع الناس فيه للصلاة فاستحب الغسل فيه كيوم الجمعة. وإن اقتصر على الوضوء أجزأه.
كما يسن التنظف بحلق الشعر وتقليم الظفر – إلا في الأضحى لمن أراد أن يضحي فالسنة الإمساك حتى يذبح أضحيته([18]) –، والتسوك لأنه يوم عيد واجتماع فأشبه الجمعة.
وأما التطيب للرجال فلما سبق من وجود معنى الجمعة فيه. وأما المرفوع فلم يثبت منه شيء ينتهض للاحتجاج به([19]). وصح عن ابن عمر أنه كان يتطيب يوم الفطر([20]).
وقال مالك: سمعت أهل العلم يستحبون الطيب والزينة في كل عيد.
كما يستحب أن يلبس أحسن ما يجد من الثياب لما ثبت عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم كان يلبس يوم العيد بردة حمراء؛ ولقول عمر رضي الله عنه: يا رسول الله، ابتع هذه تتجمل بهما في يوم العيدين والوفد([21]). فدل على أن التجمل عندهم في هذه المواضع كان مشهوراً([22]).
وأما المعتكف فقد قال صاحب المغني: "إنه يستحب له الخروج في ثياب اعتكافه ليبقى عليه أثر العبادة والنسك". وقد رد الشيخ ابن عثيمين لهذا القول، وقال: "إنه خلاف السنة، وأن السنة في العيد أن يتجمل سواء كان معتكفاً أم غير معتكف"([23]).
وقت الاغتسال: قولان:
الأول: بعد طلوع الفجر لأنه غسل الصلاة في اليوم فلم يجز قبل الفجر كغسل الجمعة: فإن اغتسل قبل الفجر لم يصب سنة، وهذا ظاهر كلام الخرقي كما ذكر صاحب المغني، ورواية في مذهب الشافعي.
الثاني: جواز الغسل قبل الفجر وبعده، وهو الصحيح من مذهب الشافعية، والمنصوص عليه عند أحمد؛ لأن زمن العيد أضيق من وقت الجمعة، فلو وُقِف على الفجر ربما فات،؛ولأن المقصود منه التنظف، وذلك يحصل بالغسل في الليل لقربه من الصلاة، والأفضل أن يكون بعد الفجر ليخرج من الخلاف، وليكون أبلغ في النظافة لقربه من الصلاة، ولهذا اختيار صاحبه المغني([24]).
الأكل قبل الخروج للصلاة في الفطر دون الأضحى:
يسن أكل تمرات وتراً قبل الخروج إلى الصلاة في عيد الفطر لما رواه البخاري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وتراً.
فإن لم يجد تمراً أفطر ولو على ماء، قاله ابن حجر في الفتح([25]).
أما في عيد الأضحى فالسنة ألا يأكل حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته إن كان له أضحية، وذلك لما رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد من حديث بريدة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يأكل يوم الأضحى حتى يرجع) ([26]). زاد أحمد: (فيأكل من أضحيته).
أيهما أفضل المشي أم الركوب؟
والسنة أن يأتي العيد ماشياً وعليه السكينة والوقار لما أخرجه الترمذي وحسنه من حديث علي رضي الله عنه: (إن من السنة أن تأتي العيد ماشياً)، والحديث مع ضعفه فإن له شواهد كثيرة يدل مجموعها على أن له أصلاً؛ منها حديث ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى العيد ماشياً، ويرجع ماشياً([27]).
فإن كان له عذر، أو كان مكانه بعيداً فركب فلا بأس.
قال أحمد رحمه الله: نحن نمشي ومكاننا قريب، وإن بَعُد ذلك عليه فلا بأس إن يركب، ذكره صاحب المغني.
وقال البخاري: باب المشي والركوب إلى العيد ... ولم يذكر من الأحاديث ما يدل على مشي ولا ركوب. قال ابن حجر في توجيه ترجمة الباب: يحتمل أن يكون البخاري استنبط من قوله في حديث جابر: (وهو يتوكأ على بلال) ([28])، مشروعية الركوب لمن احتاج إليه، وكأنه يقول: الأولى المشي حتى يحتاج إلى الركوب ... والجامع بين الركوب والتوكؤ الارتفاق بكل منهما. اهـ.
وقال النووي في المجموع: ولا بأس أن يركب في الرجوع لما ذكره المصنف.... ([29]) قال: وصورته إذا لم يتضرر الناس بركوبه، فإن تضرروا به لزحمة وغيرها كره لما فيه من الإضرار. اهـ.
التكبير في الطريق إلى المصلى:
ومن السنة التكبير في الطريق إلى المصلى ورفع الصوت بالتكبير للرجال، لما أخرجه البيهقي بسند حسن عن ابن عمر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج في العيدين مع الفضل ابن عباس وعبد الله والعباس وعلي وجعفر والحسن والحسين، وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة وأيمن ابن أم أيمن رضي الله عنهم رافعاً صوته بالتهليل والتكبير)([30]).
وأخرج الدارقطني والفريابي أن ابن عمر كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى، ثم يكبر حتى يأتي الإمام([31]).
ويتأكد التكبير في الفطر عنه في الأضحى لقول الله تعالى: {وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ} [البقرة:185]. ولما أخرجه الفرياني بسند صحيح عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: (كانوا في الفطر أشد منهم في الأضحى). قال وكيع: يعني في التكبير([32]).
هل يكبر حتى يأتي المصلى أو حتى يخرج الإمام؟
روايتان عن أحمد ذكرهما صاحب المغني، وسبق أن ابن عمر كان يكبر حتى يأتي الإمام.
صيغة التكبير:
ثبت عن ابن مسعود عن ابن أبي شيبة أنه كان يقول: (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد)، بتشفيع التكبير، وفي رواية أخرى له أيضاً بتثليث التكبير وهي صحيحه([33]).
وقال ابن حجر في الفتح: أصح ما ورد فيه ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان قال: (كبروا الله، الله أكبر، الله، الله أكبر كبيراً) ([34]).